آخر الآخبارمقالات

الوباء في زمن الأقزام…اليوم الثالت

لسانكم :

بقلم سعيد عيسى المعزوزي،

اليوم الثالت :

لم يكن هذا اليوم كالأول و الثاني ،

حل هذا اليوم الثالت بمشهد لم يألفه المغاربة ، لقد سُحبت الإبتسامة من وجوه و ملامح المارة ، حتى ” عز الدين ” ذلك التاجر الذي يمارس البقالة في حينا بحيوية و نشاط، إنتقل من حالة الفرح بما ربحه و ما باعه مند أول يوم، إلى شارد خائف غير مدرك لما يجري و كيف جرى بهذه السرعة.

في هذا اليوم ، يمكن استعمال عبارة طفح الكيل عند السلطة ، لتقرر هذه الأخيرة إلزام المواطنين في بيوتهم من خلال فرض حالة الطوارئ الإجبارية ابتداء من يوم الجمعة 20 مارس من السنة الوبائية “2020”  .

هذا اليوم ، تعلم فيه بقال الحي أول درس في كيفية الإنضباط / الحزم في التعامل مع حقيقة الوباء و زبناء الحي ، حيث وضع الأخير سدا أو حاجزا يمنع الكل للدخول إلى محله أو ليلامس الناس البضاعة يقلبونها كما يشاؤون ، لقد فهم بقال الحي أن الوباء أمر واقع لا محل للتشكيك في وجوده ، لقد آمن بقالنا أن الأمر أكبر من أن يضل على إعتقاده بأن الوباء حرب بيولوجية بين العمالقة و أنه سيمر كمرور إيبولا و أخواتها، حيث أصبح يحس هذا المواطن في محل تجارته بنوع من العزلة رويدا رويدا، بقد بدأ الناس يطحرون على بقال الحي أسئلة غريبة في الشكل ، بل يمكن القول أنه أصبح ينضر إلى المواطنين و كأنهم قد تم استيرادهم من دول أوروبية متقدمة ، الكل في صف طويل الكل يحاسبه عن النظافة و شكل السلع و مدى صلاحيتها وووو هلم جرا.

في نفس اليوم، لم يعد للمارة تواجد أو حركية معتادة ، فقد أصبح الكل تحت رحمة أسقف المنازل و الأخبار الرسمية للمحطات الإداعية الوطنية، الكل تصالح و رضي على القنوات المغربية مقبلا عليها بمعية الإنصات و الإلتزام .

من هنا ينتقل المشهد الإعلامي برمته إلى سلوك مهني جديد !

فقد لوحظ أن عشرات المواقع و القنوات الإلكترونية التي لعبت على مدار السنة دور ” أنا و أنا شكون بحالي أنا ” ، لم يعد لها وجود لا على أرض الميدان و لا عبر اليوتيوب ، و بدأ المسؤولون الحكوميون يظهرون على شاشة التلفاز لا يحدثون إلا الإعلام الرسمي فقط ، في غياب كبير لمنابر اعتادت مزاحمة ضل المسؤولين في كل صغيرة و كبيرة على مدار الحول، و لا حول و لا قوة إلا برب الحول  .

في نفس اليوم ، دخل أغلب المؤثرون في مواقع التواصل الإجتماعي و قنوات اليوتيوب جحورهم ، و حتى صناع المحتوى التافه لم يجدوا ما يقدمون لجمهورهم التافه مثلهم ، فاستخلصنا في هذا الوقت بالذات كإعلاميين لا نختلف عن باقي زملائنا، أن السلطة و كل مكونات الدولة قد خاب ظنها في أكبر المنابر و القنوات التي لم تجتهد لصناعة محتوى يلائم المرحلة و لو على سبيل الإرشاد و التوعية أو الترفيه ، لكي تساهم في نقل الفرد الكئيب من فراغ و خوف إلى ترفيه و تناسي لوضع معين .

و هنا سأطرح سؤال المرحلة ، هل يجب إعادة النظر في مشروع قانون دعم القنوات و المنابر و المواقع الإلكترونية ما بعد جائحة كورونا ؟ ، و هل سيتم محاسبة أو مسائلة أرباب النوافد التي أطلت على المواطن في هذه الظرفية و ماذا قدمت من محتوى مسؤول و مفيذ خلال المرحلة ؟

لقد كانت تجربة اليوم الثالت ، عنوان بداية الحزم في التعامل مع الفكر المستهتر ، حيث فرضت السلطة على المواطن أن يلزم بيته مند يوم الجمعة 20 مارس سنة 2020 عند الساعة السادسة مساء ، و إلا، ففي إلا سيكون تعامل جديد ، و قد تطور إلى ” العصى لمن يعصى ” في بعض المشاهد…

لقد استخلص المواطن الخائفون المذعورون مند مساء اليوم الثالث ، أهمية التفكير في الآخر بعد تفكير عميق و أناني في الذات ، لقد بدأ المواطن يشاهد مبادرات و نداءات توصي بقفة غداء الفقير و المحتاج و السائل و المحروم ، لقد شكل اليوم الثالت منعطفا جديد في ذهنية الخائف و طريقة تفكيره اليومي ، لقد بدأ المواطن يفكر في غيره …المهم التفكير و الرب في التدبير.

كما يمكن لي القول قطعا ، أن اليوم الثالت هو يوم سقوط قناع الإعلام الإلكتروني،  هذا الأخير الذي أضهر حقيقة مواقع ترقد على مؤهلات مادية هائلة، كانت تستطيع إنتاج محتوى خاص بالظرفية و لو على مستوى التوعية و الترفيه مسبقا، لكن بعض المواقع و الجرائد الرقمية و حتى الورقية، أثبتت أنها تعودت على منطق” آرى اعطيني جبد ما عندك ” و العطاء يأتي بالمبادرات لا بالإستأذان يا وائل هنيونا ، ” العبارة موجهة ” لمن سيفهمها .

و لأننا أثبتنا عجزنا أجمعين، فإن دوريات الأمن و السلطة المحلية بجل تراب المملكة ، إنطلاقا من مدينتكم الرباط و سلا و باقي ربوع الوطن الحبيب الغالي ، فقد لعبوا ذلك الدور الذي كانت تتشدق بلعبه بعض مؤسساتنا الإعلامية على مدار السنة، من خلال التعبئة و إيصال المعلومة إلى التجار و الساكنة و التنبيه و التحذير و الإعلان بمواقيت الإغلاق و هلم جرا … حفظكم الله ، لأنني لمست ما عانيتم عن قرب …

في نفس اليوم ، بدأت تتجه بعض أصابع ألا مراعات إلى أكبر شركة توزيع الإتصالات بالمغرب، بل تحدثت إلي أحد الأساتذة أن فكرة تصوير الواجبات المدرسية و إرسالها عبر الأنتيرنيت ليتابعها تلاميذه ، أمر يتطلب إمكانيات يومية و قد لوحظ أن الوحيد الذي لم يقدم عرضه أو أي شيء من هذا القبيل تماشيا مع الظرفية، هو شركات الإتصال عبر الهاتف و الإنترنيت بالمغرب ، و هو أمر جعل الكل يتساؤل من هؤلاء اللذين بيننا اليوم ، هل هم منا ؟ هل هم مغاربة يحبون هذا الوطن ؟ هل هناك فعلا لإرادة فعلية لتجاوز المحنة الدولية في حلة وطنية ؟ و تساؤلات أخرى أكدت أن قطاع الإتصالات بالمغرب لم يكن يوما في مستوى تطلعات الزبون و لا يخدم مصلحة المواطن لا في سلمه و لا في حربه الشخصية ضد وباء يهدد وجوده و الذليل ما كان عليه المواطن لغاية اليوم الثالت من جائحة الوباء بالمغرب .

ففي الوقت الذي انخرط فيه المغرب ملكا و مؤسسات و نخبة و مجالس دستورية و غيرها ووو ضد عدو يهدد استمرارية وجود البشرية، كونهم أدركوا من الوهلة الأولى خطورة الأمر ، بل أصبح البعض يقدم عطاءاته دون أدنى شك ، وجد عندها المغاربة أن شركات الإتصال بالهواتف لم تراعي هذه الظرفية الخطيرة لا على مستوى جودة الخدمة كما كانت مقدمة طيلة السنة أو على مستوى التضامن و تخصيص عروض آنية مؤقتة تخفف سخط المواطن عن خدماتها الرديئة أو على الأقل مراعات لملايين الشباب المتمدرس في البيوت .

لم ينتهي اليوم الثالث بسرعة ، لقد كان يوما أطول من يوم البعث بالنسبة لمن اقتنع أن الوباء أمر واقع ، لقد بدأت المواطن الإنسان يفكر في باقي الأيام، مدتها و متطلباتها ، خوف عميق من الغد ، و هو أمر نابع من عدم الإيمان بالله و بأن مالك الملك و مقلب الأمور هو الله و مع ذلك فإن بداية مرحلة جديدة من حياة وباء حاصر قبور الأحياء في الذهنية قبل الأجساد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى