التنمية البشرية ، رهان ملك من أجل وطن قوي مستقر
لسانكم :
سعيد عيسى المعزوزي،
هناك صورتان صارختان لمغرب اليوم، واحدة من واقع “المسؤولية السياسية” ، و الثانية من واقع ” الشارع المغربي “…
حيث يبدو أن المغرب يعيش عالمين منفصلين ، لكنهما في الواقع وجهان للانتقال اقتصادي وشيك ، كونهما نتاجان لنفس العمليات السياسية السابقة، إذن منهما وجب التغيير و الإنطلاق بسرعة قبل فوات الأوان…
و يستكشف مقالي هذا، بعض الأسس السياسية لهذا التحول الكبير المرتبط بالمفهوم الجديد للسلطة، حيث لن أستخدم فيه المصطلحات التي يتم استعمالها بغرض التسويات السياسية لتحليل سبب عدم توافق الإصلاحات في القطاعات الاقتصادية داخل حقل الموارد في المغرب و المسؤولين عنه ، ولكن سأنطلق من سؤال مفاده : لماذا يتغير الالتزام بالإصلاح في المغرب عبر الزمان والمكان و مكانة المسؤولية أو المسؤول ؟
ففي خلال هذه الفترة ، رأينا التحرير الناجح لمبادرة التنمية البشرية من تلاعبات المنتخبين و رؤساء الجماعات ، ثم شهدنا أيضًا ركود وتراجع أداء المنتخبين المحليين ، الذي تميز بسوء إدارة ملايين الدراهم المرصودة في أصلها للتنمية المحلية، من خلال تحليل بسيط لما جاء في خطاب صاحب الجلالة الأخير و الذي أكد فيه أن كل مظاهر و صور الإصلاح التي يحاول البعض تسويقها لم تظهر على المواطن و لم تغير وقع الشارع العام إلى الأفضل، و هي المدخل الأساسي لضرورة ترسيخ المفهوم الجديد للسلطة ( سلطة القرب المنجزة بدلا من سلطة الرقيب الزجري ).
حيث يمكننا أن نفهم بشكل أفضل لماذا لم يترجم عقدين من النمو الاقتصادي والثورة الرقمية إلى تنوع كبير في إنتاج نخب اقتصادية وطنية صاعدة لإثراء حضور الطبقة المتوسطة ( سلم الرابط الإجتماعي ) ، مما جعل المغرب عرضة للفساد و التلاعبات حسب آخر تقرير قدمه السيد إدريس جطو إلى جلالة الملك محمد السادس ، و هو ما يساعدنا على فهم السبب وراء ترجمات ربط المسؤولية بالمحاسبة من جهة و تمكين السلطة الجهوية لتحقيق تنمية اقتصادية وبشرية مستدامة من جهة أخرى.
ولأول مرة في المغرب ، سأطرح مسطلح ” المستوطنات السياسية ” على كل الأحزاب السياسية المغربية ، حيث كان الإلتزام و الإنخراط لهذه الأحزاب أو المستوطنات في بناء المغرب المرغوب فيه، إلا في إطار حدودها فقط ، نعم عند الحدود فقط و أي تجاوز للحدود فهو محرم و جرم و لو كان المغرب في أمس الحاجة إليه و هو ما أكده مرة أخرى جلالة الملك حينما قالها بصحيح العبارة :
” لا أنتمي لأي حزب ، بل الحزب الوحيد الذي أنتمي إليه هو حزب الوطن و المغاربة سواسية ” …الملك محمد السادس – الذكرى الـ60 لثورة الملك والشعب غشت 2013…
و يعيش المغرب على وقع تنفيد المشاريع المحلية من خلال آليتين ، التنمية البشرية و مجالس الجماعات عبر المنتخبين المحليين” و هو ما يزيد الطين بلة بل ويأزم المشهد التنموي أكثر فأكثر .
و كي أكون منصفا أكثر فأكثر ، فإن الآلية المتعلقة بالتنمية البشرية تستعمل بنفس البعد الملكي المتعلق بمفهوم قيم الإنسان المواطن، و في الجهة الأخرى نجد الآلية الثانية المشرفة على إنجاز بعض المشاريع المحلية تستعمل بعد المرجعية الحزبية المتعلق بالصورة و المكسب على مستوى الإستحقاقات المستقبيلة ، و شتان بين الآليتين .
و من المأمول أن تسهم هذه الورقة في فهمنا للأسس السياسية التقليدية المتسببة في التحول الاقتصادي الجاري في المغرب و المرتبط بالمفهوم الجديد للسلطة، وبشكل عام فإن آليات تحقيق هذه الغاية قاب قوسين أو أذنى شريطة إشراك فاعلين و كفائات محلية تنتمي إلى فكر الوطنية و ليس إلى الإديولوجية الحزبية الطامعة بخلاف طامحة .
إنني هنا لا أبخس دور الأحزاب ، حيث نعلم كثيرا أن بلد بدون تنوع حزبي سيتحول لا مآل له إلى معسكر شيوعي غير مرغوب فيه بين الأسرة الدولية و القارية، و لكن أريد الإشارة إلى أن الآلية الحزبية و الممثلة في ممثليها المنتخبين، قد أفسدوا الحرث و النسل حيث يمكنني القول أنهم المسؤول الأول على الوضعية العامة للمشاريع المعرقلة أو الميتة بالمغرب و ذلك بسبب غياب الكفاءة العلمية و العملية لغالبية هذا المكون، مع كامل الأسف …
المدخل ،
و يتمثل المدخل العام في تسريع آليات انخراط المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في كل الجوانب المتعلقة بالحكامة والتمويل والتكوين، لتكون مفتاح الارتقاء بجودة الخدمات، و لتكون رائدة في خلق روح المبادرة والإبداع، و المساهمة الأولى في نشر الوعي لدى الفئات المستهدفة…حسب ما راسل به جلالة الملك المناظرة الوطنية للتنمية البشرية الأخيرة ” سبتمبر 2019 “…
حيث يبقى نجاح هذا النمودج الملكي الجديد و الذي أراه ثورة جديدة أطلقها جلالته عبر المرحلة الثالتة و التي ينتضرها ملايين المغاربة بشغف كبير، و التي ستجعل من تنمية الجوانب اللامادية خيارا لا محيد عنه، من أجل كسب رهان هذه المرحلة الحاسمة في نمو الفرد، وضمان انفتاحه على المستقبل ، كالإنفتاح أكثر على وسائط نشر الوعي و التي تستهذف كل الفئات من المواطنين دون استثناء و هو كذلك ما تضمنته رسالة جلالته الأخيرة.
و لي عودة في الموضوع لتجسديه بالصوت و الصورة عبر طاولة مستديرة تجمع نخبة محلية مهمة و مهتمة …
يترجم و ينشر بمواقع أوروبية صديقة،