رأي : مستقبل الصحافة الوطنية بالمغرب ” إما أن تتحزب أو تتقرب ” أو…!
لسانكم: سعيد عيسى المعزوزي
يجري حديث موسع و جريئ في أروقة الصحافة الوطنية حول واقع الصحافة دون الحديث عن قوتها و مكانتها المتواضعة دوليا.
و لأن تجارب عديدة قد أكدت أن صحافتنا الوطنية لازالت تحتاج إلى صحافة، فإن من سخريات الواقع أن آليات عمل الصحفي المغربي المتوفرة لا زالت تحتاج إلى ” شي دفيعة ” لتحقيق طموح هذا الأخيرة الذي فقد البوصلة في متاهة رغبة الإرضاء تارة و التموقع في مشهد الصورة تارة أخرى بعدما دخلت الصحافة الوطنية منذ سنة 2019 إلى قسم الإنعاش دون مغادرته.
و قد رأيتني اليوم أقف في صف قصير أمام شباك تذاكر مترو الأنفاق ببرشلونة منتصف شهر يوليوز 2024، للحصول على تذكرة مجانية التجوال مدة صلاحيتها 3 أشهر لكل مواطن و مسافة تنقلها 200 كليومتر مربع دون أن تكون لا صحافي و لا ” الزعتر” ، لأمضي بها لاعنا ذلك اليوم الذي انفصمت فيه عرى المودة بين الصحفيين بالمغرب و ذلك الفاعل السياسي المتوجس من السلطة الرابعة و المواطن على حد سواء.
امتيازات شتى قيل أن الصحفي المغربي سيتمتع بها بعد قرارات أتخدت لتحسين وضع الصحافة بالمغرب :
بطاقة القطار المجانية ممنوحة لفئة معينة فقط ، هيئة ترعى المصالح الإجتماعية كالتخييم و الترفيه السنوي ” الله يجيب ” ، هيئة ترافعية حاضرة و نافدة الترافع ” شكون شافها ” و زد و لا تزايد !!!
أمور تلاشت تدريجيا بقرارات خرجت من ديباجة اجتماعات خلال السنوات الماضية، مع معرفتنا المسبقة للإسباب و الدواعي لكل ذلك و ” الله يدينا فالضو ” ماحد شي مستافد و شي منكد…
و من التجارب المؤلمة بالمغرب و التي يحكي عنها كثير من الصحفيين المستقلين، أن علاقة الصحفيين مع الفاعل السياسي المغربي قد تأزمت لدرجة وضع عراقيل أمام طموحاتهم المهنية، بل لقد قام بعض المسؤولين بتوجيه إهانات بالغة للصحفيين خلال مؤتمرات وتغطيات صحفية دون فهم خطورة التمادي على سلطة تعتبر أعلى من سلطته مكانة و قوة و نفاذا.
و اليوم ،
و أنا في غمرة حديثي مع زملائي الصحفيين الإسبان، أُصبت بخجل كبير حينما قال لي ” خافيير ” أن الشرطة و النيابة العامة و أعلى سلطة في قرار الدولة ينتضرون ما سيكتب لأن منشوره يعتبر تقرير بصيغة محضر صادر عن سلطة اعتبرت في أساس الدولة الديموقراطية بأعلى سلطة تجاوزت سلطة القضاء ، وبذلك فإن الصحافة الإسبانية لا زالت بخير فاعلة و قادرة على استدعاء أعلى السلط للمسائلة دون تلكئ .
” خافيير ” ، مالك جريدة رقمية انتقلت إيراداتها السنوي من 1000 أورو رأس مال تذأسيس إلى مليون أورو في السنة كعائدات إعلانات و تعاقدات مع القطاعات الخاصة ، دون الحاجة للتحزب أو التقرب .
و يتساؤل ” خافيير ” ، عن حال صحافتنا بالمغرب لأجيب بصحيح العبارة المخجلة ” يجب أن تتحزب أو تتقرب ” .
عبارة فهمها بإحاطة شاملة ، لكنها تنتقص من قيمة رجل السلطة الرابعة بالمغرب ، لينتقل السؤال في السياق ذاته هل أنني متحزب أم متـقرب ، و ليكون جوابي في بكفاية الهدوء أنني متحزب و متقرب ، ننتمي إلى حزب الوطن و متفرب إلى تحقيق طموح المملكة.
الإستسلام !
و قد يرى كثير من الصحفين المغاربة أن الفاعل السياسي لم يعد يرى في الصحافة أهمية إلا في إطار التوجس اللحظي ليس إلا، في وقت أصبح ينظر لها كإحدى أدواته للتبليغ للمجتمع .
و الحقيقة أن الصحفيين يتحملون جانبا مما جرى للمهنة حيث استمرأ بعضهم مكاسب عابرة على حساب المهنة، كما حملوا للجسم الصحفي أعضاء مقربين من فاعلين سياسيين ظنا منهم أنهم سيجلبون مزيدا من المكاسب، فذهبوا هم بالمكاسب والمناصب وكسروا المهنة و هيآتها .
و قد أصبح عدد كبير من الصحفيين ” ملاك الجرائد ” منذ فهمهم العميق للدرس المرحلي الكبير، إلى البحث المستمر عن الحائط السياسي الذي يتكئون عليه مهنيا و ماديا، كما فضل عدد من الصحفيين مبدأ التقرب ليتم التخلي عن مفهوم الإستقلالية المزعوم، و هو ما سبق أن أشار إليه الدكتور منار السليمي في مشاركته في المنتدى الذي ترأسته سنة 2022 ، بقوله ” أنه لا يوجد في المغرب أي صحافة مستقلة إطلاقا ، بل هناك ارتباطات غير مباشر للصحافة مع أطراف معينة و إلا فإننا سنغطي الشمس بالغربال “..
و أرى ،
أن انصراف المغاربة عن متابعة كثير الصحف المغربية ، بسبب توافر نوافذ جديدة للتعبير، فضلا عن بروز صحفيين أصبحوا ينافسون و يمارسون صحافة البوز و التأثير المرئي، أمر إيجابي من جهة و سلبي من جهة أخرى ، لأنه لا يساهم في توثيق المادة بصيغة الأرشفة الأكاديمية لكنه يصل إلى الجميع بسرعة فائقة.
كما أن مشكل نشر الصحف ومواقعها الإلكترونية لنشرات موحدة، باستثناءات قليلة جدا، قد أصبح يشكل تشنج في فكر إنتاج الخبر المتنوع ، و أن الفاعل المهني المغربي الذي قد يرهقه الواقع المالي للمؤسسة قد أصبح غير مهتم بتنوع المنتوج بالإضافة إلى البعد الدولي في نشراته الإخبارية .
و مع كل هذا و ما سردته في مقالي هذا، إلا و أن صحافتنا كلها لازالت مرابطة تقاوم تقلبات الوضع، بل ضلت شجاعة قوية مؤثرة إقليميا بدليل أن أي جريدة كتبت و فضحت أحداث معينة عن عدو الوحدة الترابية ، إلا و يحدث فارقا و توجسا و تفاعلا من العدو مهما كان حجم الجريدة.
يعني ،
سواء تحزبت أو تقربت أو ما دون ذلك ، فإن الجملة التكتيكية جمعت الجميع تحت منفذ ” أنا و خاي على بن عمي ” إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، و كما قال دوستويفسكي ” كيف يمكنك أن تعيش دون أن يكون لديك قصّة ترويها ” ، و قصتنا مهمة أرادت أن تفسر أحداث المجتمع ففشلت في فهم طموحها الوجودي في الأصل…
س ع المعزوزي
واقع مرير،ولا يتذوق نسبة المرارة فيه الا ذلك المتعطش لخبر صادق واستقلال الرأي،والطامح الى ميدان صحفي سليم وليس معتل ورحب وليس ملغم..
سلامي ودعمي !!