و لم تجف بعد دمعة زهرةِِ على الملك…عبر مقياس الزمان و المكان و الأحداث
لسانكم :
بقلم سعيد عيسى المعزوزي،
إثر وفاة الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه ، وقف المغرب بكل أطيافه عند مشهد الحزن تارة و الخوف تارة أخرى ، بل منا من انتقل به تفكيره إلى توظيف طاقة خيالية و أوهام في الإجابة عن مآلات فقدان الملك في صيغة مسألة الإنتقال من حكم إلى آخر، فكانت سيرة الأمير محمد السادس آنذاك و عطرها الذي سبق لسنوات يقاوم دواعي القلق و النضرة السلبية لمآلات الوضع المستقبلي .
و في خضم هذا التفكير العام ،
يعود ابن زهرة إلى البيت ، منهكا مرهقا من حكاوى الشارع المخيفة و بعضها المطمئنة و أغلبها الحزينة ليجد السيدة زهرة تتحسس جهاز تغيير المحطات التلفزية ، هي تبحث عن أخبار و تفسيرات ، فالأم ليست جاهلة لكنها تجهل ما سيحدث .
يومَ الجمعة 9 ربيع الآخر سنة 1420 هـ / 23 يوليو 1999م ، يعتلي الأمير سيدي محمد عرش أسلافه و يجتمع علية رجال و نساء الدولة الشريفة لتوقيع وثيقة البيعة ، فيجتمع نظر زهرة المشتت حيث امتلئت مقلتاها بالدمع .
أمي تبكي ، و تشهق بالبكاء ، و تردد :
” باقي شاب و هز المسؤولية كبيرة ، الله ينقص من عمري و يزيدو “
و بطبيعة الحال ، كشاب سلاوي همه اليومي ركوب الموج لم أفهم معنى هذه الدموع التي صدرت عن مقلتي أمي ” زهرة ” .
و الكل في جوار خالقه إلى حين كتابة هذه الأسطر ، و كما قيل و يقال :
سولو بشحال القوس ؟ قال ليه، تكبر و تشريه بلا فلوس …
و يشاء العلي القدير ، أن تمر واحد و عشرون سنة على ما شهدته السيدة زهرة ، لتحل جائحة عالمية كادت أن تأكل أحداثها الأخضر و اليابس على المستوى الدولي و أما على المستوى الداخلي فقد استبقها تقريرا و تنفيدا صاحب الجلالة الملك محمد السادس أسدل عليه الله رداء الصحة و العافية بحزمة كانت محط إعجاب و إهتمام دوليين .
لكن ما علاقة دمعة زهرة بالجائحة و الملك ؟
في معرض الإجابة عن هذا التساؤل النوستالجي تتبدى لي إجابات فيها تفاؤل وأخرى نضجت على نيران الأسى و الخوف من فقدان شخص أوصى به الله و رسوله .
ففي خضم الخوف و التخوف ، و حالة الرعب و الهلع الذي أصاب المغاربة بسبب جائحة كوفيد 19، أتفاجئ كباقي إخواني المغاربة و أصدقاء المملكة بخبر إجراء عملية جراحية لصاحب الجلالة الملك محمد نصره الله و نجاحها .
إحساس غريب ، و حوار ذاتي عميق ، و نظرة مختلفة لما كنت عليه ثم وفقة !!!
و لقد اكتشفت أن في أعماقي رغبة عميقة أصيلة في أن أتخد نجاح العملية الجراحية التي أجريت لجلالة الملك عنوان انتصار على خوف المرحلة ، خوف من وباء كوفيد الذي اجتاح العالم .
ثم لمست كذلك أن نفسي لا زالت تحتفض بدفائن الأمل و رسالة مفادها أن الإهتمام بالجائحة و مخلفاتها لم يـُزح الإهتمام بصحة و سلامة الملك …إحساس عشته لأيام .
و كما نعرف أن لهذا الوطن رجال و نساء صدقوا الله و الملك على ما عاهدوا عليه ، فإن تدبير وضعية الجائحة بأيدي أمينة بحول الله ، و هنا ولدت الدمعة ، فقد كانت الساعة الثالتة صباحا حين لفني أرق شديد و توجس و رغبة جانحة للتواصل مع الخالق ، حيث قمت إلى محراب بيتي ساجدا ذليلا إلى الخالق و الدمع منهمر ، موقضا بوصتي المزعج زوجتي و ما إن سلمت استسلمت لتساؤلها :
لماذا تبكي ؟
لاأنكر أنني خفت أن أهرب بكبريائي إلى الوقوع في الخجل و الكذب ، لأنطلق بالبوح مسترسلا في سرد حكاية دمعة أمي قبل عشرين سنة و أن العلي القدير أراد أن يديقني تجرع نفس الدمعة و نفس الإحساس ، لقد كان إحساس الخوف على الملك ، و سجدة بدمعة شكر و حمد على سلامته ، حين حل خبر نجاح العملية التي أجريت له لينهزم الخوف من أي شيء و ليحل محل مقياسِِ عشته لا أستطيع ترجمته لا على الورق و لا عبر المداد الرقمي .
هو الله سبحانه و تعالى ، مطلع على قلوب عباده يختارنا بين الفينة و الآخرى لنجدد محبتنا و بيعتنا بصدق .
هي دمعة بيعة تُسلِم مشعلها أم متوفية إلى إبن حي يُرزق …
ختاما ،
إننا نصنع حياتنا وننسجها من أحداث قد نراها صغيرة جدا، وهذه الصغائر نفسها تمتلكنا لتـُشغل طاقتنا الوجودية المشتركة ، لأننا نرتبط بشخص له قداسته ثم نألفه و تنتقل بنا الألفة إلى عشقه بل فينا من يتيه فيه حبا و دعاءا له…
إن الوعي الخالص قد يكون غريب بمقياس الزمان والمكان أحيانا، لأن الزمان والمكان يوجدان في أبعد مناطق الوعي الإنساني وأعمقها، وهو ما يجعلنا لا ندرك لماذا تنبعث منا الروحانيات فجئة أو عن قصد لإرسال توسلات ذهنية في قالب روحاني محض إلى من نحب .
فجائت الإستجابة …